Wednesday, August 7, 2019

هل تؤثر "أطوار القمر" على حالتنا المزاجية؟

وعندما يمتزج بروتين الـ "كريبتوكروم" بجزيء قادر على امتصاص الضوء يُطلق عليه اسم "فلافين"، لا يؤدي ذلك فقط إلى إشعار الساعة البيولوجية بأن النهار قد حل، وإنما يُحدث كذلك تفاعلا يجعل هذا المركب الجزيئي، حساسا للمغناطيسية.
وقد كشف بامبوس كرياكو، خبير في علم الوراثة السلوكي في جامعة ليستر بالمملكة المتحدة، وزملاؤه عن أن التعرض لحقول مغناطيسية منخفضة التردد، يمكن أن يؤدي إلى إعادة ضبط الساعات البيولوجية لدى ذباب الفاكهة، ما يفضي إلى تغيير توقيتات نومها.
وهكذا فإذا كان ممكنا أن ينطبق ذلك على البشر، فمن الممكن أن يوفر هذا الأمر أيضا تفسيرا للتغيرات المزاجية المفاجئة، التي لوحظت على مرضى "الاضطراب الثنائي القطب" ممن فحصهم وير وإيفري.
فحسبما يقول وير؛ شهد هؤلاء المرضى تغيرات حادة بالفعل للتوقيتات الخاصة بالساعة البيولوجية لكل منهم، وذلك خلال مرورهم بالنوبات التي تتبدل فيها حالتهم المزاجية، كما أن تغيرات مماثلة طرأت على مواعيد نومهم ومدته كذلك.
لكن من الواجب الإشارة هنا إلى أنه بالرغم من أن بروتين الـ "كريبتوكروم"، يشكل كذلك مكونا أساسيا من مكونات الساعة البيولوجية للبشر، فإنه يعمل بشكل مختلف قليلا، عن نظيره الموجود لدى ذبابة الفاكهة.
إذ يقول أليكس جونز، عالم فيزياء في أحد المختبرات البريطانية، إن النسخة الموجودة من هذا البروتين في البشر وغيرهم من الثدييات لا ترتبط بالـ "فلافين"، مشيرا إلى أنه بدون حدوث ذلك الارتباط "لا يمكننا أن نعلم كيف يمكن أن تُنتج 'الكيمياء الحساسة للمغناطيسية '".
ويضيف: "من هذه الزاوية، أعتقد أنه من غير المرجح أن تكون النسخة البشرية من هذا البروتين حساسة للمجالات المغناطيسية، ما لم تكن هناك جزيئات أخرى بداخل البشر قادرة على رصد تلك المجالات".
ثمة احتمال آخر يتمثل في إمكانية أن يكون المرضى الذين فحصهم وير وإيفري يستجيبون أو يتفاعلون مع قوة السحب الناجمة عن جاذبية القمر، على الشاكلة نفسها التي تتفاعل بها المحيطات مع القوة ذاتها، أي أن ذلك يُحدث مدا وجزرا.
لكن هناك حجة مضادة لذلك تتمثل في أنه على الرغم من أن 75 في المئة من أجساد البشر تتألف من المياه، فإن كمية الماء الموجودة في هذه الأجساد أقل بكثير - وبما لا يُقاس - من نظيرتها الموجودة في المحيطات. ويقول كرياكو إن قوة السحب في هذه الحالة ستكون ضعيفة للغاية "بما يجعل من الصعب تصور، كيف يمكنها أن تعمل وتتجسد من الناحية المادية الملموسة".
رغم ذلك، لا يتجاهل كرياكو دراسات أُجريت على نوع من النباتات العشبية يعتبره الباحثون الذين يدرسون النباتات المُزهرة بمثابة كائن بحثي نموذجي. وتشير هذه الدراسات إلى أن فترة نمو جذور هذا النوع من النباتات - الذي يحمل اسم "رشاد أذن الفأر" - تستغرق دورة تستمر 24.8 ساعة، وهو الوقت ذاته الذي يستغرقه القمر لإكمال دورة في المدار حول الأرض.
ويقول يواخيم فيزان، عالم فيزياء حيوية في ألمانيا: "هذه تغيرات طفيفة على نحو لا يصدق، ولا يمكن رصدها سوى عبر أجهزة حساسة للغاية، لكن هناك أكثر من 200 ورقة بحثية تعزز فكرة وجودها".
وأجرى فيزان دراسة أثبت من خلالها أن التغيرات اليومية في الجاذبية، بسبب تبدل موقع القمر في المدار، تحدث بقدرٍ يكفي لأن يؤثر في حجم جزئيات المياه الموجودة في خلايا هذا النبات، سواء بالزيادة أو النقصان.
ويقول فيزان إن هذه الجزيئات تتأثر بأي تغيرات طفيفة في الجاذبية مهما كانت كمية الجزيئات نفسها محدودة للغاية. وبفعل هذا التأثر، تتحرك تلك الجزيئات بين خلايا النبات دخولا إليها وخروجا منها، تبعا لاتجاه قوة الجاذبية المؤثرة عليها. وقد يؤثر كل ذلك في نهاية المطاف على النبات بأكمله.
ويرى فيزان أنه إذا كانت الخلايا النباتية حساسة بهذا الشكل لقوى المد والجذر، فإنه ما من سبب يمنع من أن تتصف الخلايا البشرية بذلك بدورها. وبالنظر إلى ما يُعتقد، من أن الحياة قد بدأت من الأصل في المحيطات، فربما لا يزال لدى بعض الكائنات التي تعيش على اليابسة حاليا، آلية تتنبأ من خلالها بالمد والجزر، حتى لو لم يعد لهذه الآلية أي فائدة عملية في الوقت الراهن.
ومع أن مثل هذه الآلية لا تزال تستعصي على التعريف أو التحديد حتى الآن، فإن أيا من العلماء الذين تم التواصل معهم لإعداد هذا الموضوع، لم يعترض على الاستخلاص الأساسي الذي بلوره وير في هذا الشأن، والمتمثل في أن التقلبات التي شهدتها الحالة المزاجية لمرضى "الاضطراب ثنائي القطب" الذين قام بفحصهم، كانت تحدث بوتيرة معينة، وأن هذه الوتيرة ارتبطت - على ما يبدو - مع دورات معينة ذات صلة بالتأثيرات الناجمة عن جاذبية